كنت صغيرة في ابتدائي مثلًا
قدام بيت العيلة القديم كان فى رملة قدام الباب
ما كانش من عادتي ألعب في الرملة دي، علشان ماما كانت بـ تزعق لي.
بس اليوم ده، قعدت، وعملت إنى بـ لعب مع نفسى علشان كنت وحدي
صحباتي في الشارع ما كانوش بـ يكلموني يوميها
وقتها كانت شلة الصحاب هم الجيران، منارة، ونسمة، وشيماء، أخوات
كانوا دايمًا يقعدوا يغنوا "بيت العز يا بيتنا" قدام بيتهم
ويفضلوا يحكوا لي عن بيتهم القديم الـلـي مليان جناين عنب ورمان
وكان مجرد ما باباهم يظهر في شارعهم واحنا قاعدين على عتبة بيتهم
يترموا كلهم عليه، ويسيبوني
واقعد أنا وحدي على عتبة بيتهم، أفكر هو بابا فين؟
كانوا بـ يصمموا يسألوني سؤال غبي كده ما كـنـتـش بـ عرف أجاوبه
"هو أنتِ إزاي مستحملة ما يـبـقـاش عندك أخوات؟"
كانوا دايمًا بـ يحسسوني إني مش شبههم.
المهم، يومها كنت قاعدة وحدي جنب الرملة
وفجأة، لاقيت منارة واخواتها جايين عليا، ومعاهم أميمة صاحبتنا
بنت عم حسن النجار، صاحب الورشة الـلـي جنبنا
لاقيتهم بـ يلفوا حواليا في دايرة، وبـ يلقحوا عليا
أنتِ، وأنتِ، وأنتِ …
و"مش بـ نعدي عليكي الصبح للمدرسة علشان أنتِ بطيئة، وبـ تتأخري في اللبس"
و"أنتِ بـ تيجي عندنا البيت تقعدي كتير ليه؟
أنتِ بـ تيجي تندهي علينا من تحت البيت بعلو صوتك، مش عارفة إن كده عيب؟"
وواحدة منهم كانت بـ تمسك شعري كل شوية، شيماء، أعتقد شيماء
وكانت بـ تهددني، وتتوعدني
"ما تجيش عندنا البيت تاني، إحنا ما بـ نـحـبـكـيـش
وأنتِ لوحدك، ما عـنـدكـيـش أخوات، أحسن، أنتِ تستاهلي".
ذلوني، وأهانوني
كان نفسى أي حد يطلع من بيتنا أستنجد بيه
أنا ما كـنـتـش عارفة أرد
كنت ساكتة، وبـ تفرج على نفسي
ما كـنـتـش عارفة أقول لهم حتى إني بـ نده عليهم من الشارع
علشان العمارة بتاعتهم كانت دايما مضلمة
وكنت بـ خاف أطلع لحد شقتهم،
وفاكرة كويس إن منارة وقفت، وقالت لهم:
"حرام يا بنات، دي ما عـنـدهاش أخوات
خلاص كفاية، سيبوها".
ما كـنـتـش عارفة أدافع عن نفسي
مش فاكرة أنا ساعتها عيطت ولا لأ
بس فاكرة إني حسيت بكسرة نفس
وقهرة بـ حِسها في روحي لحد دلوقتي أما أتحط في مواجهة فيها اتهامات ليا.
بعد ما مشيوا، رغم إن محدش في شارعنا شاف حفلة الذل دي
إلا إني كنت مكسوفة أتحرك من مكاني
مكسوفة أطلع البيت، لَحَد يشوف الذل الـلـي على وشي
فضلت قاعدة على الرملة ساعة، اتنين، تلاتة
لحد أما ماما ندهت عليا أطلع أنام زي كل يوم.
يمكن من يوميها أنا بكره التجمعات
عارفة إن ما عنديش أخوات، وما عنديش ناس في ضهري، وما عنديش بيت عز.
لما كبرت، بقيت حاسة إني اترميت وسط ألف منارة، وأميمة، ونسمة، وشيماء
في كل مكان أنا روحته، تجمعات وتكتلات
كل طرف عايز ينصر الطرف الـلـي يهمه
أنا وحيدة من زمان
مش متعودة على رنات التليفون، ولا المكالمات الكتير، ولا اللستة الطويلة في السجل
علشان محدش كان بـ يتصل، وما كانش عندي حد أتصل بيه
كنت دايمًا هناك، وحدي، بالروب الأخضر الغريب
كنت دايمًا قاعدة وحدي، مع قطتي، أو بطتي، أو أي عفريت أزرق
كنت بـ خترعه من خيالي حتى، مش لازم يبقى موجود أصلًا.