أمي

اكتشفت إن ده الشهر بتاع عيد الأم، فـ قولت هـ كتب لك
وبعدين ما لاقيتش حاجة أكتبها
وبعدين رجعت وقولت:
"يا بت اتلمي، ده أنتِ تاريخك مع عيد الأم أسود"
فاكرة الورد البنفسجي؟ والله ما كنت أعرف إنه بـ يتبعت للتعزية بس،
أصل أنا كل سنة أجيب ورد أحمر، ورد أحمر
فـ قولت من باب التغيير، أجيب بنفسجي.
ومن سواد تاريخي، أنا مش فاكرة منه غير الورد البنفسجي،
والكروت الـلـي كنت بـ عملها لِك وأنا في كي جي.
بصراحة ما اكـتـشـفـتـش قد إيه كانوا وحشين غير لما كبرت،
ولاقيتك لسه محتفظة بيهم.

طب أكتب إيه؟
عارفة، أنا كنت دايمًا بـ ستغرب أوي
لما ألاقي أم بـ تقول لي "أنا صاحبة ولادي"
"يا سلام، إزاي؟ هو حد فيكم بـ يفهم التاني؟"
أصل أنا كل ما أركز في أي حوار دار بيني وبينِك،
أحس إن أكيد كان حد فينا بـ يتكلم صيني.

مثلاً:
"في بيجامات حلوة أوي، في المحل الـلـي ورانا"
"أنا مش بـ حب ألبس بيجامات يا ماما"
"كولكشن جديد، بس تحفة"
"مش بـ حبهم"
"طيب، هـ جيب لِك اتنين بس"
"؟"
وده بس نموذج بسيط، لتوضيح صعوبة الدخول في أي مفاوضات معاكي
وده بـ يحصل في الأمور التافهة، ما بالك بقى بالكلام الكبير.

كل ما أفتكر أنتِ كان نفسك أطلع إيه، وأنا في الآخر طلعت إيه، أضحك
كنتِ عايزاني ألعب بيانو، فـ سيبته، ورحت ألعب على زمارة،
وديتيني ألعب باليه، سيبته، وروحت ألعب كراتيه
طلعتي مهندسة، وأنا طلعت "حمارة"
بكل ما تحمل الكلمة من معاني، في كل ما يتعلق بالأرقام.

كان نفسك أطلع رياضية، ولما كبرت لاقـيـتـيـنـي واحدة
عندها استعداد تـقضي بقية حياتها على كرسي بكتاب،
كان نفسك أطلع "بنوتة" بـ تبص في المرايا،
وتلبس كعب من غير ما تقلعه في نص الخروجة، وتكملها حافية
وطلعت ... أنتِ عارفة بقى أنا طلعت إيه.

ومع ذلك، فوجئت بناس كتير بـ تقول لي: "أنتِ نسخة من أمك"
قالوا لي إن عندي نفس حماسك لكل حاجة وأي حاجة
مش عايزة أكبر، وعندي نفس الرغبة الغريبة
في تبنى أهل مصر كلهم بمشاكلهم
وآجي آخر اليوم أحطهم على حجري، واقعد أعيط
قالوا لي إني شبهك، بـ ضحك زيك
وبـ عيط زيك، وبـ تنطط زيك.

فاكرة لما كنت أدخل المطبخ عليكي وأنتِ بـ تطبخي؟
مش للمساعدة، لكن للمياصة والفرجة،
وكنتي تـ تنرفزي عليا، وتبدأي واحدة من وصلاتك المفضلة
عن حسرتك بعد قيامك برحلة كفاح، في سبيل تربية الشحطة
-الـلـي هي أنا- وجوز الخيل الـلـي جوا -أخويا وأختي-
علشان في الآخر ما تلاقيش حد من "البهايم" -أنا وأخويا وأختي-، يساعدك
وكنت أبوسك، وأقول لك
"حتى لو كنت سـيـبـتـيـنـي من غير تربية كنت برضه هـ حبك"
وكنتي تـ تضايقي أوي لما أقول لك كده،
بدل ما أقوم بأي مدح أو ثناء على "شقاكي وتعبك طول السنين".

وكنت دايمًا أقول إن حتى لو أنتِ وبابا
-مش هـ قول "أبويا" لأنها بـ تحسسه إني مش متربية-
قررتوا تـ جروا ملط في الشارع، أو بـ نيتوا هرم رابع
مش هـ حبكم أزيد أو أقل، لأن لو دي كانت القاعدة
كان كل واحد فينا اختار له أهل على مقاسه بقى.

نفسي لو في يوم أنا كمان قررت أجري ملط في الشارع، أو أشتغل رقاصة
أبقى متأكدة إنك هـ تفضلي تحبـيـني.

كنت دايمًا أسخر من كل الـلـي بـ يقول أنه بـيحب فلان
أو الـلـي بـ تقول أنها بـ تحب علان، بدون سبب واضح
"يعني إيه مفيش سبب؟ لازم يكون فيه سبب"
وبمرور السنين، استسلمت لفكرة إن مش كل شيء في الدنيا بـ يخضع للمنطق
وأيقنت إن أصدق حب، هو حب بلا أي شروط
هو كده وخلاص
ولذلك أعتبر إن أصدق حب هو حب كل واحد منا لأمه
لأنه يخلو من أي مبررات، أو أسباب منطقية
وخاصة بقى لو كانت تلك الأم من هواة الضرب بالشبشب
أو استخدام أسلوب "الابتزاز العاطفي" مع كل وجبة
"يا رب أموت لو ما أكـلـتـيـش دي"، واخدالي بالك؟

بالرغم من إني بقالي كذا سنة مش عايشة معاكي
وبـ شوفك بس في الأجازات الرسمية والأعياد
إلا إني حاسة إن علاقتنا في أزهى عصورها.
آه والله، وأكبر دليل على كده،
هو إني بـ دخل عليكي بالبنطلون الجينز، والجزمة الكاوتش
وأنا عارفة كويس أوي إن بـ يبقى نفسك تعلقي
وتستعوضي ربنا فى البت الـلـي رزقك بيها، لكن بـ تسكتي.

وأنا بـ لاقيكي عاملة صينية لونها غريب، وأبقى نفسي أقول لك:
"إيه يا ماما الـلـي أنتِ طبختيه ده؟ دي ملوخية ولا قلقاس؟
يامّه فين الأكل بتاع ربنا؟"، بس بـ سكت.
لأن بصراحة الغربة علمتنا إحنا الإتنين الأدب
وكل واحد فينا ابتدى يتقبل التاني زي ما هو
أنا، بـبـنـطـلـوناتي المقطعة، وأنتِ بطبيخك غير المفهوم بالمرة.
ولو إنك لسه برضه بعد عشرة 23 سنة، بـ تسأليني أسئلة من نوعية:
"أنتِ ليه مش بـ تحبي الأحمر؟"
و"يعني إيه مش بـ تحبي اللحمة؟"، بس ما علينا.

أنا كل سنة أتفرج على أصحابي، وهـمَّ بـ يشعروا في أمهاتهم
ويكتبوا كلمات حُب، واحترام، وتقدير
وعرفان فى كروت عيد الأم، وما ألاقيش أنا حاجة أكتبها
بس المرة دي قولت هـ كتب، وبدأت فعلًا:
"بحبك علشان أنتِ أمي
بحبك علشان أنتِ ربـيـتـيـنـي"، وبعدين مسحت
وقولت لنفسي طب وإيه الجديد؟
ما كل الأمهات المفترض إنهم ربوا عيالهم؟
طب أقول لك بحبك علشان جمالك؟
بس أنتِ مش أجمل ست في الدنيا، بالعكس
ده حتى لما بـ دخل ألاقيكي شعرك منعكش، وريحتك ثوم وبصل
برضه بـ حس إني بحبك، طب بحبك علشان، مفيش علشان.

من أول السطر:
حبيبتي ماما، أنا بحبك "فـول استوب".

x
تنويه القصص الموجودة على هذا الموقع قد تسبب للبعض شعور بعدم الارتياح أو الألم. في حالة شعورك بذلك، تذكر أن تتنفس، وأن تأخذ بعض الوقت مع ذاتك قبل مواصلة القراءة، أو بالتوقف عن القراءة إذا استدعى الأمر