"خِفي صِحة"
قال لي وانا واقفة قدامه مـسـتـنـيـة يوزن الكنافة النابلسية
لما لاقيت الإعلان متعلق على باب المحل "كنافة نابلسية سورية"، دخلت على طول
أصلي بـحبها، وبـ تفكرني بسفريتي لسوريا من أربع سنين.
بصيت له شوية كده، وأخدت دقيقة على بال ما جمَّعت
قولت له: "آه، قصدك أخس"
وروحت ضاحكة -ما انا بـ فهم شوية سوري-.
من أول ما دخلت المحل، كنت بـ تكلم وبـ ضحك معاه
وبـ سأله عن سوريا والأخبار
وهو كان بـ يـبـحـلـق في وشي، وكان واضح إنه معجب
فطبعًا عشان أرتقي لذوقه، وكنوع من المعاكسة قال لي كده.
أصل إكمني أنا تخينة، ممكن عادي أقبل نصيحة من غريب بـ يبصبص لي
عادي ... هو أنا هـ نهب
لازم أبوس إيدي وش وضهر إنه كان عايز يـرتقي بيا لمرتبة أعلى
عشان أليق بإعجابه، فـ راح يـبرر لنفسه
"إزاي أُعجب بواحدة تخينة"، فـقال يـنصحني
وبعدين هو عنده حق، ما أنا لازم أخس.
وهو عداه العيب، وعدى أي حد غريب شافني
ومن قبل حتى صباح الخير، لازم يـ نصحني أو تـ نصحني
ما هـم كغُرب عارفين مصلحتي وكده
وانا كواحدة تخينة من صغري، لازم أكون شاكرة أفضال المجتمع الـلـي عايز مصلحتي
وإن أي جِعِر أو فاشل أو مُتدني فيهم يستعلى عليا،
ويـنصحني إزاي المفروض أعمل في صحتي وجسمي وشكلي.
بغض النظر إني ناجحة في حياتي الدراسية والعائلية والمهنية
وذكية ومستقلة، وبـ سافر، وبـ حب الحياة، بس برضه هما عندهم حق.
وطبعًا كبرت وانا شايلة الجميل
وقابلة وبـ قابل كل تعليق سم أو نصيحة استعلائية وانا بـ ضحك
بس عمري ما كنت فاكرة إني هـ قبله عليها هي كمان.
كنا قاعدين في الصالون مع ابن عمي الكبير
دخلت ملك بنت أختي الـلـي عندها 10 سنين بـ تفرجنا وبـ تفرج ابن عمتي العُقد -على وجه الخصوص الـلـي- عملته بايديها
"آه حلو أوي
بصي يا ملك يا حبيبتي، أنا عايزك تـوعديني بحاجة"
ومن غير ما يـستنى ردها كمل بنفس لهجة الكبير الـلـي عارف كل حاجة
"أنا عايزك تـوعديني كل يوم ما تـتـعـشـيـش، خلال شهر بس هـ تبقي حد تاني".
نَـقـلـت عينيا ما بينهم كده، وانا مخروسة من الصدمة
هو واثق من نفسه، قاعد على الفوتاي
وهي في الناحية التانية، واقفة زي المحكوم عليه
وعينيها زايغة، وما بـ تـنـطـقـش، وبـ تهز رأسها موافقة.
حسيت كأن ماية ساقعة وقعت عليا، وحسيت كأني بـ قرانا
عايزة أهرب من هنا، اختفي من الوجود، أو استخبى تحت الأرض
بصيت في وشها، في خدودها الخمرية وعينيها الواسعة الكبيرة
هي يمكن تكون أملي من البنات الـلـي في سنها، بس أكيد مش تخينة
وكنت عايزة أجري عليها، واقول لها
"على فكرة ما تـصدقيش، أنتِ مش جسم بـ يـتـقـاس بالسنتي والجرام
وعلى أساسه بـ تـتـقـيِّـمـي كبني آدمة
أنت جميلة، وأجمل من ما أنتِ فاكرة دلوقتي، أو هـم مصدقين
أنتِ موهوبة، وذكية، وقيمتك مش رقم على الميزان، أو مقاس في اللبس".
بس سِكِتّ، وعرفت إنها هـ تمشي في نفس الطريق الطويل، والتجارب الكتيرة المؤلمة
لغاية ما تكبر، ولغاية ما تصدق في نفسها وجمالها
وقتها هـ تلبس الوش، وتِعزِل نفسها، وهـ تهز رأسها
وتـضحك لما حد غريب يقول لها "خِفِي صحة".