في يوم روَّحت متأخرة، المترو كان رايق بشكل غريب
ركبت عربية السيدات، سماعتي على وداني
كتابي في إيدي، عيني على كل البنات في العربية
لاحظت إن عيونهم مخنوقة، لا ضحكة فيه، ولا ابتسامة
عيونهم كانت بـ تقول لي "أصل الحكاية ما تـضحكش"
لغاية ما وصلنا للمحطة الجديدة، واتفتح الباب
دخلت بنت فكرتني بنفسي زمان
قبل ما يلبسوني الحجاب بالعافية
الجيبة القصيرة الواسعة، والخصر الملفوف بحزام كرانيش عريض
يقول لك إن وزنها بالكتير 55 كيلو
وبلوزتها البيضا المتطرزة بورد صغير منمنم بنص كم
بـ يضحك من عطرها الـلـي مالي المكان
والشعر الأسود الناعم، وملامحها الهادية، بميك أب رايق.
بنت كانت لوحة جميلة غير مقصودة، في مكان بـ يكره الجمال وسنينه
العربية الـلـي كانت عيون راكبها ساكنة، ميتة
بقت نار، وغيرة، وماليينها بكلام كتير أنا عارفاه
كلام سمعته كتير من الناس الـلـي لبسوني الحجاب بالعافية
باسم الدين، والعادات، والتقاليد، والعيب، والغلط، والمفروض، والممنوع.
لما كنت بشعري، وامشي في شارعنا
كانت أم محمود جارتنا توقفني في الرايحة والجاية
وتقول لي: "يا بنتي غطي راسك، فرحانة بجمالك على إيه؟
جتك خيبة، بكره تـتجوزي، وتـتنيلي بنيلة
ويروح جمالك مع الخلفة، والغسيل، والمسح، وطلبات البيه
وبرضه ما تـعـجـبـيـش".
أم محمود دي طلعت بنتها من التعليم، وجوزتها وهي عندها 15 سنة
بس من راجل خليجي، أكبر منها بـ25 سنة
عشان كان غني، ومقتدر، لكن أهم حاجة إيه" تـغطي راسك يا بنتي".
ولا سامية بنت عمي، الـلـي في يوم وليلة قلبت، وبقت شيخة
وغطت وشها عشان جوزها اترقى من سكرتير مكتب الحزب الوطني في المنطقة
لسكرتير أكبر شيخ سلفي، برضه في المنطقة
كانت لما تـ شوفني، تصرخ في وشي، وتقول لي:
"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
ياما نفسي أنتف لك شعرك ده شعراية شعراية
واقعد محتارة، أحرقهولك؟ ولا أقصهولك؟ عشان أستريح من فجورك".
ولا أستاذ محمدين، مديري الجديد في الشغل
كان أول مرة يـشوفني، وعامل نفسه قال إيه بـ يتعرف عليا
بخفة دم، وهو دمه يلطش أصلًا قال لي:
"والأخت يا ترى مسيحية بقى ولا مسلمة؟
لو مسيحية، يبقى ربنا يهديكي للإسلام، وتنجي من النار، وتلبسي الحجاب
أما لو مسلمة، يبقى أنتِ هـ تـتـعـلـقـي من شعرك، وتـترمي في النار
فـ الحقي نفسك يا بنتي، والبسيه أحسن لك، وربنا يهدينا جميعًا"
أستاذ محمدين ده مراته اتطلقت منه، وجت الشركة وفضحته إنها قفشته مع جارتها.
ولا راجل الأمن بتاع الشركة الـلـي سمعته بوداني بـ يقول لصاحبه:
"إزاي أخوها ولا أبوها سايبينها ماشية في الشارع كده،
تستاهل الـلـي يجرى لها من الرجالة، حلال فيها الـلـي يحصل لها
ويرجعوا يعيطوا، ويقولوا لنا تحرش وهباب
تستاهلوا الـلـي يجرى لكم، ولا تـلايقها فرحانة بكده، وغاوية،
بنات صايعة صحيح"
الراجل ده اترفد بعد أسبوعين لما قدمت فيه بنتين شكوى إنه بـ يتحرش بيهم.
ولا أختي الأصغر مني، الـلـي كل ما تيجي هي وأولادها وجوزها
تقول لي موشح عن الحجاب، وإنك "مش هـ تلاقي حد يرضى بيكي، ويتجوزك
طول ما أنتِ راكبة راسك، ومصرة ما تلبسيهوش"
وإني "مش قد المجتمع الطين الـلـي إحنا فيه"
و"روحي اتحجبي يا بنتي، قبل ما يحدفوكي بالطوب".
ولا دموع أمي عن آخر عريس راح وما جاش
بعد ما أمه ما رضـيـتـش بيا عشان شعري عريان،
تقول شافت جسمي هو الـلـي عريان،
ومحاولات أمي المستمرة، ودعوتها لي بالصلاح
إني ألبسه، قبل ما يفوتني قطر الجواز
بعد طفشان 4 عرسان لنفس السبب، إني مش عايزة ألبس الحجاب.
ولا أبويا وأخويا، الـلـي قاطعوني
واعتبروني فاقدة الأهلية، والدين، والأدب من وجهة نظرهم
عشان مش بـ سمع كلامهم عن الحجاب.
"خلاص يا جماعة، خلاص كفاية كده
أنا هـ نفذلكم رغباتكم حاضر، هـ لبسه"
استسلمت لكلامهم، لابسة وانا مش عايزة
لابسة عشانهم، مش عشان ربنا.
لاقيتني بـ كلم البنت من غير صوت، وبقول لها:
"يا بختك، قادرة تقولي للعالم كله الـلـي أنتِ عايزاه
من غير خوف، أما أنا خوفت، وما قدرش في يوم أكون زيك
ويا ريتك ما تـسـتـسـلـمـيـش وتكوني زيي"
لكن البنت كانت حاسة بالـلـي كان مكتوب في العيون الـلـي حواليها
كانت قلقانة، ومتوترة
قربت منها، وبصيت لها بعيني بنظرة أمان
إني معاها، قرت الـلـي في عيني، واتطمنت شوية.
سألتني بـ سمع إيه، أديت لها سماعة من سماعاتي
كنت مشغلة أغنية "عيون" لمنير
أول ما سمعته، ابتسمت، وطلعت من جيبها لبانة، وقسمتها بيني وبينها
أكلناها مع بعض، وغنينا مع منير
محطتها جت، شكرتني وهي نازلة، وانا شاورت لها بإيدي، واتقفل الباب.
بصيت تاني على عيون ركاب العربية
لاقيت كل عين مطلعة سلاحها من بين جفونها
وعايزين يدبحوا فيا
لاقيت نفسي بـ صرخ فيهم :
"مالكوش دعوة بيها، هي حرة
أنتوا مالكوا؟ سيبوها في حالها
هي حرة، هي حرة".